المفاوضات وواقع النزاع في الصحراء الغربية

وقفات بين السطور

بقلم : خطري محمد مولود علي

 

 

 

 

    انتهت مفاوضات منها ست كما بدأت بل ومثلما انقضت جولتها الأولى بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية ولم تحقق سوى الاتفاق بين الطرفين على عقد جولة قادمة حددت مؤخرا في العاصمة السويسرية جنيف ,في ديسمبر كانون الأول القادم

ففي ظل تمسك كلا الطرفين بمطالبهما غاب منطق الاتفاق الذي من أجله كان التفاوض هدفا أساسيا فيه للذهاب قدما للمساهمة في حل مشكل الصحراء الغربية بطريقة عادلة ونزيهة وترضي الطرفين ,هذا المشكل الذي عمر لأزيد من اثنين وثلاثين سنة وفي الآونة الأخيرة أصبحت بعض الأوساط السياسية والإعلامية تصفه بالمشكل الذي لا يمكن أن يجد طريقه نحو الحل خصوصا على المدى القريب ,وبالتالي فإن هذا اليأس ليس وليد مفاوضات منها ست (1)أو (2) وإنما هو يأس متقادم يمتد إلى بداية قرارات منظمة الأمم المتحدة في المنطقة , جاء نتيجة لكثير من المحطات التي عرفها الصراع بين الجانبين , من توصيات وإيفاد للبعثات , على شاكلة بعثة تقصي الحقائق وبعدها بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الإقليم والتي أكدت فعلا عجزها عن القيام بمهمتها المنوطة بها وقد كلفت المنظمة العالمية الملايين دون تحقيق نتيجة تذكر,رغم التمديدات التي تتكرر كلما انتهت مهلها في الإقليم .

ولكن اليوم لم يعد خافيا على أحد مدى هشاشة وضعف الدور الذي تقوم به منظمة الأمم المتحدة , ليس في أزمة عالمية الإرهاب  أو السلاح النووي أو أي مشكلة من المشاكل التي تحاصر العالم وتشكل تهديدا له , وإنما في أبسط بؤر التوتر و النزاعات وهذا ما يثبت يوما بعد يوم فشل تلك الهيئة الأممية في إدارة الأزمات الدولية وإرساء قواعد السلم والتصالح خاصة في إفريقيا والشرق الأوسط

غير أنه وبعيدا عن صخب و إرهاصات السياسة الدولية وخلفياتها المعقدة , فقضية الصحراء الغربية والتي أصبحت تشكل اليوم جانبا من تلك السياسة بحكم إستراتيجيتها الاقتصادية وتشكيلها لأهم قواعد السلم والاستقرار في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا , ولم يعد خافيا تأثيرها على سير العلاقات الأورومتوسطية في الوقت الراهن , لكن الأمم المتحدة وبعثتها إلى الإقليم فشلتا فشلا ذريعا في حل القضية بسبب تواطئهما المفضوح مع النظام البائد في الرباط طيلة العقود الثلاثة الماضية , عدا ما قامت به في أوائل التسعينيات فيما عرف بتوقيف إطلاق النار , وتنظيم عملية التصويت في استفتاء تقرير مصير الإقليم , غير أن العملية انتهت إلى طريق مسدود منذ ذلك التاريخ

إذا فما يمكن أن نسمي به الشرعية الدولية هو في الواقع ليس تطبيق مفهوم العدالة أو احترام حقوق الإنسان في العيش بحرية , بل وحتى تقرير مصير الشعوب التي ترزح تحت ظلامية الإستدماربمفاهيمه الجديدة القديمة  , كما نصت القرارات والأهداف التي تأسست من أجلها الهيئة الأممية ومختلف هياكلها الإدارية والتنظيمية

 ومع ذلك فتعقيد القضية الصحراوية وصل إلى حد صرح فيه الأمين  العام الأممي السابق كوفي انان من أنها لا يمكن أن تحل بالطريقة التي يجب أن تحل بها , ما لم يلتزم المغرب بالتعاون الوثيق للوصول إلى حل دائم ,يجنب المنطقة مالا تحمد عقباه

لقد كان دور الأمم المتحدة دوما يمثل  مطبات ترسم معالمها مصالح القوى الكبرى ومن خلالها تسير العالم وفق أفكارها و ضمانا لمصالحها في العالم .

إن فصل القول  برأي هو أن هذه المنظمة المشلولة والتي لا تملك من أمرها شيء , أنه آن للشعب الصحراوي وممثله جبهة البوليساريو أن ينظروا في جديتها ومصداقيتها وحتى نيتها تجاه العمل الذي تقوم به من خلال تكريس مسلسل السلام الضائع في فيافي الصحراء , فالأمل في قيام دولة صحراوية كاملة السيادة ليس من أولويات الأمم المتحدة وإن افترضنا جدلا بأنه كذلك فهي غير قادرة على تحقيقه , كواجب من واجباتها .

وفي المقابل إذا نظرنا اليوم إلى حقيقة الوجود المغربي في الصحراء الغربية , فهو إلى كونه يشكل أفظع قيم الأطماع الاستعمارية للمملكة , أو جنون وهوس الغزو الذي يسيطر على أشخاص الملوك المتعاقبة , فكذلك لعنة المصالح التي يراهن عليها المغرب في الصحراء الغربية وما يمكن أن يؤمنه لحلفائه الذين يؤيدونه لفرض مشروعه التسلطي الحكم الذاتي , وهما فرنسا واسبانيا ومؤخرا الولايات المتحدة الأمريكية.

وبالعودة إلى سيناريو المفاوضات التي أصبح جليا أنها مجرد إضاعة للوقت " وحد يدور منها شي اللا كيف لدور لمرة من عتر وسها " كما يقولون

لقد ذهبت الليونة التي كانت تطبع الطرف الأخر على الأقل , في دورات هيوستن ولشبونة ولندن مثلا , لقد أضحت فرصة تضييع المفاوضات  بعد ثابت في السياسة المغربية وإستراتيجية متعنتة

تنتهجها للتلاعب بخيار التفاوض , كخيار حضاري ومنطقي .   

    إن مفاوضات جنيف (1) أو (2) أو ما سيعقبها من مفاوضات والتي يراها بعض الصحراويين بادرة أمل وأنها ستشكل منعطفا حاسما في النزاع  , لن تحقق ما عجزت عن تحقيقه المفاوضات التي سبقتها, لأنها ليست سوى حلقة مفرغة تضاف إلى سلسلة المفاوضات السالفة والتي فشلت في إيجاد صيغة توافقية تمهد إلى تعديل الأجواء المشحونة بين الطرفين وبذل المساعي الحثيثة لجعل الطرفان يقبلان بحل توافقي وقابل للتطبيق في إطاره القانوني , وكما دعا إلى ذلك مجلس الأمن الدولي في  توصيته الأخيرة التي أوصى فيها المغرب وجبهة البوليساريو بالذهاب إلى المفاوضات بنية صادقة بغية التوصل إلى حل عادل ونهائي يمهد إلى تقرير مصير الشعب الصحراوي  , الذي شكلت له عدالة قضيته دوما منطلقا يؤسس عليه كفاحه النبيل ليسترد كرامته ويقرر بنفسه مدى أحقيته بأرض سلبت منه وداستها أرجل الجبناء

  أن الحكومة الصحراوية ومنذ السنوات الأولى لتأسيسها وهي تحظى بدعم كثير من الدول التي آمنت بحق الصحراويين في الاستقلال والتحرر , وفي السنوات القليلة الأخيرة كسبت اعترافات جديدة من العيار الثقيل وأقامت  معها علاقات دبلوماسية مثلت مكسبا إستراتيجيا , في ظل تسول الدبلوماسية المغربية لكسب التأييد في مشروع الحكم الذاتي بين هذه العاصمة وتلك , ضف إلى أن الشعب الصحراوي اليوم متماسك أكثر من أي وقت مضى , حيث لم يزعزعه جور الصديق ولاعجف السنون  , ولا يزال ينشد حلم الاستقلال كهدف وحدوي  مصيري لنيل الحق الذي تكفله الأعراف والقوانين , وهو في النهاية بالنسبة لهذا الشعب خيار أبدي لا يمكن التراجع عنه , لكن هذا الإصرار لا يقابله المخزن سوى بلغة التحجر والقمع الهمجيين  

وبيت القصيد هو أن المملكة المغربية ليست جاهزة لتبرهن على حسن نيتها عن التعاون الجاد والمثمر لإنجاح المفاوضات , حيث كلما قدمت البوليساريو التسهيلات لإنجاح المسار التفاوضي وكلما تقدمت المفاوضات بخطوة نحو الأمام  , كان المغرب يقف حجر عثر في طريقها لتعيد السيناريو إلى المربع الأول بطرحها لفكرة الحكم الذاتي أو أي طرح أخر يشكل سياسة من سياسات الاحتلال المستهجنة .

  ففي الوقت الذي كانت فيه المملكة تنفق سنويا مليارات الدولارات لتعزيز ترسانتها العسكرية , كانت تكسب ود وثقة الدول الكبرى الفاعلة في مجلس الأمن أمريكا وفرنسا , وهي اليوم تعمل جاهدة لبلورة تلك الثقة لتحقيق هدف واحد , وهو الإبقاء على مغربية الصحراء , مقابل منح تلك الدول مزيد من الامتيازات  والنفوذ , لاستنزاف الصحراء من مقدراتها التي منحها إياها الله

   لقد أكدت المعطيات أن حل قضية الصحراء الغربية بطريقة عادلة سيقود إلى تبني إستراتيجية بعيدة المدى من شأنها أن تؤسس لبناء مغرب عربي موحد يسوده الاحترام المتبادل  وحسن الجوار  ويقوم  على  قواعد اقتصادية بناءة , كمؤشر على التحول  الاقتصادي والتكنولوجي الذي يشهده العالم اليوم , وبمعية شعوب المنطقة , بتكاثفها وتناصرها تتحقق النهضة , نهضة الإنسان ونهضة الأمم , ليس من منطلق الظلم والجشع وإقصاء الأخر , بل على أساس العدل والتفاهم ولسان حالنا يقول "الله يجيب اللي يفهمنا " 

   لقد أنتجت سنوات اللاحرب واللاسلم واللاحل نوع من الاستخفاف بحق الشعب الصحراوي في أروقة الأمم المتحدة ,مما قلل لدى فئة من الشعب الصحراوي الأمل في إيجاد مخرج لحل القضية الشائكة منذ عقود , ففي ظل الوضع غير اللائق الذي يعيشه هذا الشعب المشتت بين جانبي الجدار الفاصل , كان أجدر بالمغرب أن يخجل من نفسه ومن العالم عندما يعيد ذكرى غزو الصحراء الغربية " المسيرة السوداء " إلى الأذهان , أين كانت القرى والمداشرالصحراوية تقع جاثمة تحت القصف بالنابالم والفوسفور المحرمين دوليا , أن يتذكر مأساة خمسة وثلاثين عاما من البؤس والتشرد والشتات , وليسترجع أن الإنسان قد ظلم أخيه الإنسان وألحق به القتل والدمار , وبذلك كان لزاما عليه أن يقتنع بأن زمن الاستعمار قد ولى ,وأن الفرصة التاريخية  قد حانت ليعترف بماضيه الكولونيالي بدل أن يتنكر له ويتجاهله , وليكن غدا لناظره قريب .   

** الساقية صحيفة الكترونية مستقلة   **

** المدير العام رئيس التحرير : ميشان سيدي سالم أعلاتي **

    M_FICHAL@YAHOO.FR      

ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***   ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***  ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا