الصحراء الغربية امتحان لصدقية الأمم المتحدة

بقلم : غالي الزبير

هذا الموضوع منقول عن موقع إتحاد الكتاب والصحفيين الصحراويين

 

 

 

 

وأخيراً انجلت المعركة الديبلوماسية التي دارت لأسابيع بين المغرب وجبهة بوليساريو بصدور القرار الرقم 1754 الذي لقي ترحيباً من طرفي النزاع وجهات عدة في المجتمع الدولي. خلاصة القرار تكمن في دعوته المغرب والصحراويين الى مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة. ويحدد القرار هدف هذه المفاوضات بتحقيق حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، هذا الحق المؤجل على مدار العقود الأربعة الماضية.

المتابع غير العارف بحيثيات النزاع الصحراوي – المغربي قد يجد في هذا القرار وضع القاطرة على مسارها الصحيح على أمل أن تنطلق في عملية تنهي هذا النزاع الذي لا يزال يسمم الأجواء المغاربية وينذر بشرر عودة حرب لا يعلم إلا الله عواقبها، بعدما خلف المآسي والضحايا من كل نوع، غير أن العارف بمتاهات النزاع والمطلع قبلاً على تجارب مماثلة سبقت سيكون أقل تفاؤلاً بما يمكن أن تنتجه مثل هذه المفاوضات من حلول لقضية وصفها الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي بأنها «من أعقد القضايا على رغم بساطتها الظاهرية لارتباطها بمصالح أطراف عدة قوية التأثير».

ومن المتوقع أن يبدأ قريباً التحضير للمفاوضات التي أبدى كل طرف ترحيبه بها واستعداده للتعاون مع الأمم المتحدة لإنجاحها، ولكن كل طرف يتمنى أن تكون المخرج الذي سيطابق ما يتمناه مع التناقض المبدئي بين موقف كل من المغرب الذي يريد منها أن تكون اعترافاً دولياً بضمه للصحراء الغربية – وهو الأمر الذي لم يحصل عليه طوال فترة النزاع – والصحراويون الذين يريدون أن تكون سبيلاً الى تمكين الشعب الصحراوي من اختيار مستقبله بحرية.

ينبغي أن يكون المرء ساذجاً أو جاهلاً بتاريخ النزاع حتى يتوقع نتائج مبهرة من هكذا مفاوضات أو على الأقل في مراحلها الأولى، فأولاً، يشترط قرار مجلس الأمن أن تكون هذه المفاوضات غير مشروطة – أي أن يأتي كل طرف وهو على استعداد لمناقشة كل شيء من دون أن يطرح أي سقف للمفاوضات – وهذا عين المستحيل لأن المغرب يؤكد من خلال خطته التي عرضها على مجلس الأمن في شهر نيسان (ابريل) الماضي أنه مستعد لمنح الصحراويين كل ما يريدون، عدا معالم السيادة – مفترضاً أن هذه السيادة مسلم بها له والحال غير ذلك – وجبهة البوليساريو مستعدة للتفاوض وربما التنازل عن أي شيء عدا حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وحرية اختياره. لذا فإن كل طرف سيأتي الى المفاوضات مسلحاً بشروطه المسبقة بخلاف ما يدعو اليه قرار مجلس الأمن.

ثانياً: يدعو مجلس الأمن الى دخول في مفاوضات بحسن نية. وهذا ما لا يمكن تصوره من طرفين يسعى كل منهما منذ عقود الى فرض رؤيته وتصوره لمستقبل منطقة ما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات، فالصحراويون يرون في المغرب احتلالاً غير شرعي ينتهك قرارات الشرعية الدولية. في حين ترى الرباط في جبهة بوليساريو «عناصر انفصالية»، فما أصعب أن توجد نيات حسنة في مثل هذه الحال.

ثالثاً: اشتراط الأمم المتحدة أن يكون الحل متفقاً عليه ويحظى بقبول طرفي النزاع، وهو ما يجعل المهمة شبه مستحيلة.

وبعد أفلا يعلم مجلس الأمن بكل هذه الحقائق وهو يصدر قراره هذا الذي مر بولادة عسيرة ومخاض مؤلم؟ ثم ألا تتوقع الأمم المتحدة أن تكون هذه المفاوضات المزمعة حوار طرشان لاختلاف نظرة كل طرف الى مسألة الصحراء الغربية؟

المنطقي والحال هذه أن مجلس الأمن يعي الاختلاف الجذري بين الرؤية المغربية للصحراء الغربية حيث يرى المغرب انه صاحب سيادة على الصحراء الغربية لا يمكن التنازل عنها على رغم عدم وجود دولة واحدة أو منظمة دولية واحدة تقر بسيادته هذه على الصحراء الغربية، كما ورد في تقرير الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان الى مجلس الأمن في شهر كانون الثاني (يناير) من العام الماضي. من جهة أخرى هناك الموقف الصحراوي الذي يرى أن قضية الصحراء الغربية هي قضية تصفية استعمار لم تتم وينبغي استكمالها من خلال منح الشعب الصحراوي حرية الاختيار وتمتيعه بحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير، كما نصت عليه لوائح الأمم المتحدة منذ سنة 1963 وحتى اليوم وقرار محكمة العدل الدولية (16 تشرين الأول/ اكتوبر 1975) وجدد التأكيد عليه المستشار القانوني للأمم المتحدة هانس كوريل (كانون الثاني/ يناير 2002).

هل ستكون المفاوضات المقبلة هدفاً في حد ذاتها لا غاية ترتجى لإنهاء النزاع؟ وهل ستكون اجتراراً لمفاوضات سالفة ستنتهي بدورها الى التعثر بعد جلسات ودورات طويلة في انتظار حدوث تغيرات من نوع ما في موازين الصراع ما زالت في علم الغيب؟

الأكيد في جميع الأحوال أن الأمم المتحدة من خلال تبنيها خيار المفاوضات ووضعها لمبدأ تقرير المصير كهدف لهذه المفاوضات تمكنت من توصيف العلاج. فهل تتحلى بالصرامة المطلوبة لتنفيذه ووضع الأطراف أمام مسؤولياتها في رسم المسار الذي سيقود الى تقرير المصير ووضع الآليات لتنفيذه، عندها وعندها فقط سيكون لقرار مجلس الأمن مغزى وللمفاوضات المتوقعة نتائج وثمرات.

الأيام المقبلة ستكشف مدى جدية الأمم المتحدة في علاجها لهذه القضية وستضع صدقية المنظمة الدولية وقدرات أمينها العام بان كي مون على المحك، فهل تنجح في تنفيذ قراراتها أم انها ستكتفي كما حدث في مرات سالفة بالأماني والنيات الحسنة؟

 

** الساقية صحيفة الكترونية مستقلة   **

** المدير العام رئيس التحرير : ميشان سيدي سالم أعلاتي **

    M_FICHAL@YAHOO.FR      

ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***   ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***  ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا